لا يخفى على الجميع الاحداث السياسية والامنية التي رافقت وسبقت العملية الأنتخابية والمواقف السياسية والدينية منها ،ومدى قرب وبعد وتوافق وتجاوز تلك المطالب للدستور والقانون .
حتى أصبح كل متابع عاقل ومنصف ومتحرر من قيود الأتباع الأعمى يكاد ان يرى ان جميع هذه المواقف والأحداث التي حصلت ما هي إلا مقدمة أو جزء من سلسلة حلقات قد تم أعدادها مسبقاً لتحقيق أهداف أكبر وأبعد من الأهداف المعلنة والتي كانت تختصر بأسم شخص ، فكانت هذه المواقف بمثابة عبوات يزرعها من تبناها “وكل حسب موقعه السياسي او الديني ” لتنفجر فيما بعد ناسفة معها العملية السياسية الفتية في العراق برمتها وذلك من خلال تجاوز دستور البلاد الذي طالما نادى به الجميع!!! وبالتالي أفراغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي لتصبح “صورية” فقط وحبر على ورق.
أن أولى الرصاصات التي أطلقت على جبين العملية السياسية والديمقراطية كانت لحظة الذهاب الى تشكيل الحكومة الجديدة خارج الحسابات الانتخابية ونتائجها ، التي كان “الجميع” يدعو اليها ويعتبرها “مقدسة” بل لعل بعض المواطنين شعر في لحضة معينة بأن عدم ذهابه الى الانتخابات يعني أنه “خائن” وشعر بأن صوته أغلى من “الذهب” ووووو….الخ !!!!
لكن بجرة قلم أو لنقل”برفع سماعة هاتف” شطبت هذه القدسية!!! “وفضت عذريتها” على يد من دعوا لتقديسها وصوروها للناس أنها سبيل نجاتهم وقربانهم المقبول لتنزل عليهم بركات السماء ماداموا متمسكين بها!! لا لشيء إلا لأن هذه “المقدسة العذراء” ولدت مولوداً “حراً ،باراً ، قوي،مستقل بذاته، ذا إراده ،لايساوم ولايجامل” وان هذه الولادة الشرعية لهذا المولود جاءت من رحم تلك المقدسة”الأنتخابات” بعد أن تمت ممارسة الحق معها من قبل الجماهير ،لكن هذا الوليد الشرعي يتعارض مع مصالح أولائك ولا يلبي المطالب الخاصة والضيقة الى اللذين كانوا يَدعون تمسكهم بتلك المقدسة ويدعون الى الأحتكام لنتائجها.
وهنا تقاطعت المصالح العامة مع النزوات والنزعات الشخصية فكان “الجميع دون أستثناء” أمام أختبار حقيقي “وطني وديني وأخلاقي وشرعي ” وأمام خياران لا ثالث لهما :
– أما تغليب المصلحة العامة على الخاصة والقبول بنتائج الأنتخابات وبالتالي القبول بوليدها الشرعي “المالكي” وهذا لا يتوافق مع الصالح الخاصه ولا يلبي الطموحات الضيقه لجميع من أشار وأشترك بهذا المسلسل مع أختلاف نوعية تلك المصالح لكل جهة حسب موقعها ومكانها وشكلها.
– أو تغليب المصالح الخاصة والضيقه وتغييب المصلحة العامه والتفريط في الحفاظ على العملية السياسية وعلى مكانة المكون الأكبر وبالتالي عدم الحفاظ على وحدة وقوة العراق وسلب أردته.
وهذا ما حصل فكان بمثابة الرصاصة الأولى على العملية الديمقراطية التي اطلقت من قبل جميع الاطراف التي اشتركت بها دون أستثناء ما عدا “المالكي “الضحية الوحيد الذي أصبح بمثابة درع لحماية الدستور من هذه الرصاصات الرعناء لكن هذه الرصاصات مجتمعه اخترقته واخترقت الدستور معه وبقي متمسكاً به للحضة الأخيره.
لتظهر لنا اليوم أولى أبعاد تلك المؤامرة وعناوين الصفحة الثانية منها والتي تعد بمثابة “رصاصة الرحمة” على الدستور والعملية السياسية والديمقراطية ، وأن كان الفصل الأول أنقلاب سياسي فسيكون الفصل الثاني “أنقلاب عسكري” لكن مؤجل!!
فبالأمس القريب يطل علينا “رئيس الجمهورية” وبعض “الساسة التابعين داخلياً وخارجياً” ليزفوا لنا أولى أشارات تشكيل ما يسمى بـ”المجلس العسكري” الخبر الذي سرب ترافق مع وجود “أستيفن” الأمريكي في العراق!!!
صلاحيات هذا المجلس تؤخذ من صلاحيات رئيس الوزراء (أن أردنا تخفيف وطئة الأمر لأن في حقيقتها تسلب من رئيس الوزراء) وتكون بيد هذا المجلس الذي يفترض أن يشكل من المكونات “على أساس طائفي” ويكون القرار فيه بالأغلبية وعلى سبيل المثال وبمعادله رياضيه بسيطه نكتشف النتيجه:
فمثلاً لنقل انه سيتكون(من 5 شيعه +3كرد+3سنه) سيكون المجموع (11 عضواً)والقرار بالأغلبية فلو طرح قرار لنقل مثلاً أعتقال مجرم أرهابي أو قانون أو غيرهما :
(فلو صوت الأعضاء الشيعه الـ”5″ “بنعم” وصوت الاعضاء الكرد والسنه الـ”6″ “بكلا” النتيجه= لن يمر القرار) أين محل صاحب الأغلبية من الأعراب!!؟؟ إذاً هي أغلبية صورية فقط.!
وهنا سيكون قد “تم قتل العصفوران بالحجر الواحد!!”أولهما سلب أرادة رئيس الوزراء “الشيعي” والثاني سلب القرار من الأغلبية “الشيعية” في البلاد!! وهذا ما سعى وسعت اليه الأطراف الخارجية والداخلية مجتمعة ودخلت الية من بوابة أسمها “عداء بعض الأطراف الشيعية للمالكي!!” الذي كان العقبه الحقيقيه أمام تحقيق هذا الهدف الخبث لأنه يدركه جيداً.
لكن حقد وعداء بعض الشيعة للمالكي قد أعمى عيونهم عن مخططات أعدائهم التي واجهها المالكي لوحده طيلة الفترة الماضية،هذا العداء الأعمى لمصالح خاصة قد جعل جميع هذه الأطراف ترفع أرجلها من على بساط حقها ليتمكن من سحبه خصومهم وينتج عن تلك الممارسة بعد رفع أرجل الشيعة بأرادتهم مولود شيعي (كسيح) لا يقوى على السير لوحده ولا يقف إلا بمساعدة الآخرين أن لم تتم عملية تصفيته مستقبلاً بشكل كامل وهذا ما يتم التخطيط له من قبل الخصوم لكن (حبه حبه) كما يقول المثل!!.
نعم أن تشكيل المجلس العسكري هو تكملة للأنقلاب السياسي الذي حصل على المالكي لكن الفرق أن الأول كان على شخص من مكون والثاني على مكون الشخص الذي تم أبعاده بمساعدة ذلك المكون الذي عمل في حقيقة الأمر على أغتيال نفسه بشكل جماعي وإن كان هذا الأغتيال مؤجل لكن تم التأسيس له بيد وبمساعدة كافة أطرافه دون أستثناء ما عدا الضحية الوحيد “المالكي ومن معه” هذه هي الحقيقة المرة والتي لا تطاق.
هذه واحدة من فصول وحلقات تلك المؤامرة وهناك مسميات أخرى مثل “حكومة الأقطاب” التي تتبناها بعض الشخصيات الشيعية والسنية والكردية وغيرها والتي تعني ان لا يكون رئيس وزراء واحد للعراق بل من كل مكون رئيس والقرار بالاجماع لكن الرئيس “الصوري” والشكلي أمام العالم من المكون الاكبر والقرار جماعي.
سنتكلم عن ذلك في مقال لاحق إن شعرنا بأن هذا الطرح قريب للتطبيق أما الآن فهو مجرد رأي يروج له ولا زال حبر على ورق لذا أكتفي بالأشارة إليه لكن الأهم والقريب للتطبيق هو “المجلس العسكري” الذي تكلمنا عنه والذي ستكون لحضة أعلانه هي لحضة تغييب تام للأغلبية وبأمضاء قادتها للأسف الشديد!!.
حسن الركابي